Partager Facebook Twitter LinkedIn Pinterest Courriel Imprimer/PDF _ « مستقبل الحوار الإسلامي المسيحي » هو عنوان الكتاب الصادر عن دار الفكر بدمشق- سورية ( سلسلة آفاق معرفة متجددة: حوارات لقرن جديد) للمؤلف الثنائي : الدكتور احميدة النيفر والأب موريس بورمانس. يحتوي الكتاب على قسمين رئيسيين: الأوّل ينقسم بدوره إلى جزأين. الأوّل مخصّص للأبحاث خُطَّ بقلم د. احميدة النيفر، أستاذ بالمعهد الأعلى لأصول الدين بجامعة الزيتونة بتونس وعضو فريق البحث الإسلامي المسيحيّ والأب موريس بورمانس أحد المبشرّين بإفريقيّة ( الآباء البيض) والأستاذ بالمعهد البابوي للدراسات العربية والإسلامية في روما ومستشار المجلس البابوي لحوار الأديان. ذُيِّل هذا الجزء بملحق قصير من ست صفحات يعتني ببيان مشاركة المعهد البابوي للدراسات العربية والإسلامية في الحوار الثقافي بين المسلمين والمسيحيين، يعقب ذلك قسم ثانٍ خُصِّص لتعقيب كلا المؤلفين على آراء الآخر المعروضة في القسم الأوّل. قسّم الأستاذ النيفر بحثه » الحوار الإسلامي المسيحي : من أجل خطاب ديني معاصر » إلى ثلاثة فصول : خصّص الأوّل » للحوار أو جدارة المسلمين اليوم » أمّا الثاني فقد اهتمّ بدراسة مشكلة « اللاّحوار وعنف النخب » في حين اعتنى الثالث بـــ »عيسى في الخطاب القرآني عبر قراءة حوارية » . – الفصل I : من خلال « الحوار أو جدارة المسلمين اليوم » يحاول المؤلف أن يجيب عن السؤال : لماذا ينبغي قيام حوار بين المسلمين والمسيحيين اليوم؟ إنّ طرحَ هذا التساؤل المحوري تراءى للكاتب مقترنا بجملة من الصعوبات التي تُعيق مشاركة الجانب المسلم خاصة في الحوار لاسيّما وأنّه لم يكن غالبا ساعيا أو مبادرا بالحوار وإنما مستجيبا للدعوات المسيحيّة خاصة الكاثوليكيّة التي « تلت مجمع فاتيكان II ودعوته إلى الانفتاح على الديانات غير المسيحية ». ما هو إذن سرّ غياب أيّ » مزاج للحوار لدى المسلمين » حسب عبارة Hans Küng التي يستعيرها الدكتور النيفر ؟ يحاول الكاتب تقصّي معالم الإجابة بالتأكيد على جملة من الاعتبارات ذلك أن بعض القراءات المتفهّمة من الطرف المسيحي لا تهمّش العامل الحضاري والتاريخيّ فالحوار » قد سبقته من الجانب المسيحيّ خمس مائة سنة من الإعداد » فضلا عن أنّ أخطر ما يعطّل الحوار من الجانب المسلم -في نظر الكاتب- يكمن فيما يسميه » التبسيط الشنيع في النظر إلى مستويات التشابك والاختلاف واللقاء في العلاقات بين المسلمين والمسيحيين ». إنّ هذا الحوار الذي يبدو في ظاهره لا يتعدّى ربط علاقة مع الآخر، هو في الأصل أعمق من ذلك بكثير لأنه يعمّق حوار المسلم مع الذات » قصد امتلاك آلية نقديّة تؤهّل ثقافة المجتمع لإنتاجٍ قيَميٍّ متناسبٍ مع مقتضيات العصر في المستويات الماديّة والعقليّة والروحيّة « . على هذا المستوى يعتقد الكاتب أن أصل هذه المعضلة وثيق الارتباط باضطراب علاقة المسلمين بالخطاب القرآني نفسه. إنّ استعراض بعض الآيات القرآنية المثيرة للجدل نظرا لتضاربها الظاهريّ أحيانا: آيات مكيّة تُثني على أتباع المسيح وأخرى تنقدهم وتحذّر منهم. من هما ينتقد الكاتب إحدى القراءات التي لا ترى في هذه الآيات سوى نبذ أيّ حوار بدعوى أنّها ذات صبغة تأسيسية عقَديّة. ويذكّر بالمقابل بقراءة أخرى لا ترى في النقد والتحذير سوى استثناء لمبدأ الانفتاح والتحاور. هذا النقد يتنزّل في الحقيقة في إطار أوسع وأعمق ينبُذُ القراءة التبريريّة للواقع التاريخي المنقضي من جهة والقراءة المثاليّة لمستقبل الدين الإسلامي عبر الصياغة الإيديولوجية ( كانتقاء بعض الآيات دون غيرها ) من جهة أخرى. يخلُصُ المؤلف حينئذ إلى فكرة جوهريّة في خطابه وهي أنّ « ما يظهره الخطاب القرآني في بعض معتقدات أهل الكتاب من أهواء وزيف ليس تشريعا لاجتثاثهم باسم الحقّ، إنما هو تأكيد على الفروق بين (الدين) الخالص الموحى به وبين ( الثقافة الدينيّة) التي تنشأ بتقادم الزمن وبضغوط الواقع والتاريخ ». والدليل على ذلك أنّ القرآن ذاته لا ينفي الاختلاف في الحياة الدنيا بل إنّه يؤكد على أنّ « التنافس في فعل الخير » هو ما ينبغي أن يشغل كل المؤمنين في علاقتهم بالمختلفين عنهم( انظر سورتي المائدة آية 48 و 69 والبقرة آية 62). من جهة أخرى يبدو مثال بعض المسيحيّين الذين عايشوا المسلمين في القرن الماضي كــــ:Charles de Foucauld و Louis Massignon خاصة) قدوة ثمينة للمسلمين إذ أنّ وعي المسيحييّن بأهميّة الحوار والاعتناء بــــ »وهج الحيوية الدينيّة للآخر في موكب حياته العاديّة قد أعاد لهم الثراء المكتسب ثقتَهم في دينهم المسيحيّ ». الفصل II : « اللاّحوار وعنف النخب » ينتقد الكاتب بشدة في هذا الفصل النزعة الإقصائية لدى نخبة من المثقفين الذين لا يتوانون في اختزال الحراك الثقافي في بعد أحادي هو » الصراع بين القديم والحديث » وهو ما أنتج خطابا عنيفا يرنو إلى تحقيق وحدة اجتماعيّة وثقافية عن طريق القهر عوض الاستجابة لما يسمّيه » ديناميكيّة الوفاق ». ترتّب عن ذلك عجز في بناء ذاتيّ لمعايير مشتركة وما » الثنائيّة بين الزعامة السياسيّة والرسالة الدينيّة في المنطقة المغاربيّة خاصة » إلاّ دليل على ذلك. إن إهمال قيم الثقافة الإسلامية وتهميش المؤسسات التقليدية المرتبطة بها بدعوى بناء مجتمع حديث و متطوّر بعيد عن النظم السلفيّة » المتخلفة » أفضى إلى انفصام خطير وتصوّر إقصائي للحداثة ضمن منظومة ذهنيّة غير تاريخية. كانت النتيجة » تعثّر (….) النظام الثقافي نفسه » وجنوحا إلى رفض الحوار و « ردود الأفعال الدفاعيّة ». في ذات السياق, اكتفت النخب التقليديّة باستنكار « بعثرة » المخزون الثقافي الديني دون أيّ اهتمام بإعادة تأطير الأصالة في الحراك الاجتماعي والحضاري المعاصر. خلاصة القول إن مأساة النخب، تحديثيّة كانت أو تقليديّة » ليس في المشاريع التي تبشّر بها ولكن في تماثل القاع الثقافي الذي تستند إليه، قاع ٍ رافض للحوار منتج للتمزّق وحائل دون الاستقلال الثقافي والسياسي ». من ثَمّ فإن ما يسمّيه الدكتور النيفر » الانزلاق نفسه في الذاتيّة » وكأنه ناطق رسمي، وليس باحثا دارسا أو محللا متسائلا ». على هذا المستوى تحديدا يبرز فريق البحث الإسلامي المسيحي (GRIC) كتجربة فريدة وفاعلة. لقد التزم هذا الفريق منذتأسيسه في 1977 تبنيَّ عنصرين أساسيين للحوار : الإيمان من جهة والفكر النقدي من جهة ثانية فضلا على كونه سعى دائما إلى تجاوز مجرّد الإعلان عن أهميّة الحوار والمصالحة بين الأديان ليواجه » التشتت والخطب المتوازية التي طبعت معظم لقاءات الحوار في المنطقة المتوسطيّة » بطرح مسائل حساسة وشائكة » أفرزتها صدمة الإيمان والحداثة ». يستعيد الدكتور النيفر رأي Robert Caspar أحد مؤسسي هذا الفريق القائل بأن العوائق العقَديّة لدى المسلمين هي حَريّة بتفهّم الطرف المسيحي وعدم استغرابه. ذلك أن تصورات المسيحيين أنفسهم عن الكتاب المقدّس » قد خضعت إلى تطورات، وأنه لا بد على أيّ حال من أن تظل هناك فوارق عميقة بين الطرفين في خصوص مسألة الوحي ». يخلص من ثَمَّ إلى التأكيد على أهميّة مسألة الشريعة وتطبيقها التي يطرحها هذا الفريق لأنها تُسائِل في الواقع الكتبَ المقدّسة ذاتها » أهي توفير معطيات تاريخية للمؤمنين أم أنّ غايتها الدعوة إلى قيم دينية خالدة تقدَّم من خلال نماذج تاريخية محددة ؟ » إن هذا الطرح العميق والخالي من التطرّف يساهم بصفة جديّة من خلال بث نتائج أعماله في الأوساط المثقفة العربيّة في مراجعة دينيّة وتاريخية ثمينة ( كالتخلّص من النزعة المتحجّرة الرافضة لأي تأويل للنص القرآني والمناديّة بالتطبيق الحرفيّ للشريعة) وهو يساعد الطرفين على مزيد إثراء الحوار والتبادل دون أدنى مسّ بصدق التجربتين الدينيتين. يخصص الدكتور النيفر الفصل III والأخير من مداخلته إلى شخصيّة المسيح في الخطاب القرآنيّ إذ هو يلفت الانتباه أوّلا إلى انعدام أيّ جديد في الكتابات الإسلاميّة المتعلّقة بشخصيّة السيد المسيح خاصة في النصف الثاني من القرن العشرين، هذا طبعا باستثناء بعض الإشارات المبدعة في أعمال بعض الشعراء الذين يستعيدون رمز الصليب وما يعنيه المسيح من خلاص كمحمود درويش ، سميح القاسم، بدر شاكر السياب، عبد الوهاب البياتي، نجيب محفوظ …. موضوع المسيح شديد الارتباط- في رأي الكاتب- بالفكر الديني الإسلامي في علاقته بالآخر، إنه خطير لأنه » يمسّ قضايا عقَديّة في الإسلام لم تقع مراجعتها اليوم بصفة جوهريّة » . يذكر على سبيل المثال مسألة النبوّة والوحي – اللغة القرآنيّة والتاريخ- الخصوصيّة والعالميّة ومفهوم الشريعة. يستعرض المؤلف عدّة آيات تعرّضت لعيسى أو للقبه المسيح وأحيانا بكنيته ابن مريم ( 33 مرة)، كما أنّه قد ذكر 14 مرة بصفات تحمل دلالات مميّزة. ما يلفت الانتباه في هذه القراءة القرآنية هو النهج الانتقائي والاعتباري للأحداث. ثم يحدد المؤلف ثلاثة مستوايات يرد فيها ذكر عيسى في القرآن: الأوّل يتجلّى فيه السيد المسيح على الصعيد التاريخي المباشر. الثاني : يتّصل بولادة المسيح ثم بمعجزاته ثم بوفاته. أمّا الثالث والأخير: فهو الذي يستعرض جملة من الرسل السابقين الذين يكونون مع عيسى بمثابة التمهيد لظهور الرسالة الخاتمة. يخلص الدكتور النيفر إلى إعادة بناء دقيقة، قيّمة ومبدعة على حدّ سواء لشخصيّة المسيح وذلك بالاعتماد على حضور لغويّ ودلالي مكثّف في القرآن ( للكلمة ) ( والقول) المرتبطان بهذه الشخصيّة ( كلّم وكلمات و كلام). » لقد شكّلت الكلمة في القرآن مع عيسى حركة لا يمكن أن تَخْـفى ( ….) إن شخصية السيّد المسيح القرآني تتيح المجال لتمثّل المكانة الجوهريّة للإنسان التي لا تتحقق إلاّ عندما يتنزّل فيه الحضور الإلهي، عندئذ يضحي الإنسان وجها لوجه إزاء الله، أي معاينا أن كلّ شيء قابل للقراءة والحركة (…). هذا ما يفسر لنا حضور عيسى الكلمة الإلهية والكونية في سور مكيّة ومدنيّة على السواء، ذلك أنه من جهة يرسّخ مفهوم التنزيه الذي يقطع نهائيا مع الشرك والوثنية (…) لكنه من جهة ثانية يفتح الطريق لحياة روحية قابلة للثراء والغنى ». إن الشخصية المسيح في القرآن أساسية ضمن الصيرورة التاريخية للتوحيد ناهيك وأنّ مقولة الصلب ليست خالية من أي قيمة دينية أو روحيّة رغم أن القرآن يقول برفع المسيح لا بصلبه ( آل عمران 3 -55) وهو خطاب يجد له صدى في نبوءة المزامير ( 91: 9-16: المسيح المنتظر سيكون في الشخصيات الدينية المرفوعة) ورواية إنجيل يوحنّا ( 6 : 3 – 18: الرفع بمعنى الخلاص من قبضة الأعداء). لا بد إذن من تجاوز التعطّل الذي يمزّق الوحدة الثقافية للخطاب الديني التوحيدي وما ترتّب عنه من إفقار لشخصية المسيح في إطار التصوّر القرآني للتاريخ الرسالي. اختار الأب موريس بورمانس التساؤل التالي عنوانا لبحثه : » هل للحوار بين المسيحيين والمسلمين أبعاد جديدة في سبيل التفاهم والتصالح فيما بينهم ؟ » . وهو يستهلّ خواطره باستعادة ما جاء في مؤلف جان كلود باسي : حوار الأديان :تاريخه ومستقبله، فيؤكد على ما ينتج عن الحوار من تغييرات عميقة في ذهنية المتحاورين والتزامهم بتجديد شامل لمفاهيم الهويّة الدينيّة واحترام التعددية الروحيّة. ثم يستعرض ما حدث من حوار بين المسيحيين والمسلمين منذ أربعين سنة فيذكّر بدور المجلس البابوي للحوار بين الأديان، مجلس الكنائس المسكوني بجنيف، مؤسسة آل البيت في الأردن، معهد الدراسات الإسلامية والمسيحية التابعة لجامعة القديس يوسف في بيروت إلخ… لكن المؤلف لا يسهى عن الإشارة إلى الصبغة الرسمية والسطحية التي غالبا ما طبعت أعمال وملتقيات مختلف هذه الهيئات والمؤسسات فضلا عن تعثّر الحوار بسبب الأحكام المسبقة لدى مختلف الأطراف. يبرز فريق الأبحاث الإسلامية المسيحية ( GRIC) كهيكل معرفي جدّي ومختص يساهم من خلال أعماله في دفع الحوار و إثرائه مقارنة بظاهرة أخرى للحوار تتمثّل في » عقد مؤتمرات شعبية تشترك فيها جماهير المؤمنين من الجانبين ». على صعيد آخر، يتطرّق المؤلف إلى صعوبات جديّة تعيق مواصلة الحوار المعاصر ونجاحه. من ذلك مشكلة المحرّمات الغذائية والشرابية أو الموانع القانونية للزيجات المختلطة بين المسلمة والمسيحي خاصة. لكن قوله بأحقيّة كل من الجماعتين الديانيتين بوضع هذه الموانع يظلّ غامضا ومثيرا للجدل. لقد عقّب الستاذ النيفر على هذه الخواطر مركّزا على جملة من النقاط تبدو هامة في رأينا. يتنزّل ما كتبه الأب بورمانس في فلسفة خطاب الآباء البيض منذ فترة التأسيس أي الحفاظ على الحركة التبشيريّة. لكنه يتجاوزها في كونه يعي بمستلزمات المرحلة التاريخية وما تتطلبه من مراجعات في عمل الجماعة ووظيفتها. مع ذلك ينتقد الدكتور النيفر منهج الكاتب الذي لم يولِ التمفصل الهام بين المسعى التبشيري من جهة والانفتاح والمصارحة مع المسلمين ( دون أن يشكّل هذا المسعى عقبة للحوار) من جهة أخرى، عناية أكبر في تحليله. إذ يجب أن لا يغيب على أذهاننا أن عددا كبيرا من المسلمين لا يزال يرى بعيني مشككة مسألة التبشير . الدكتور النيفر يعيب- حينئذ- على الأب بورمانس عدم التوسع في تعميق هذه المعضلة الهامّة، ربما لأنها محسومة في ذهنه. مع ذلك يظلّ بحث الأب بورمانس على غاية من الأهميّة لأنه يتجاوز سمة المجاملات التي طبعت طويلا الحوار الإسلامي المسيحي أو اللجوء إلى الخطاب المتوازي، ليضع خطوطا أولى لجملة من الشروط المؤسسة لحوار مجدٍ. إن نجاح الحوار مشروط بتجدد الفكر الديني الذي يؤول إلى مراجعة شاملة لمفاهيم الهوية الدينية عند الأفراد والجماعات فضلا عن أن الحوار يتيح المجال لاحترام لآخر عبر مزيد احترام الذات. على صعيد آخر ينتقد الدكتور النيفر مداخلة الأب بورمانس بالتركيز على أن ما يحرج المسلمين في التبشير المسيحي لا يقوم حسب رأيه على اعتبارات دينية خالصة بل إنه يعيب على المبشرين استغلال مواطن الضعف لدى بعض المسلمين الذين يعانون من الفقر والمرض والجهل لإدخالهم في حضيرة المسيحية. إن هذا « الابتزاز الحضاري » يقف حائلا دون الثقة في الآخر عبر الحوار وعليه فإن التحوّل الذي شهدته الكنيسة وانخراطها في المسائل التي تهمّ المسلمين سياسيا واجتماعيا ( خاصة المسألة الفلسطينية منذ الستينات) هو حريّ بمزيد التوضيح والتحليل من قبل الأب بورمانس، علاوة على ضرورة مزيد إيضاح التجربة الكنسيّة الناجحة فيما يتعلّق بإيجاد التوازن بين المحافظة على التراث والانفتاح على العصر في إطار هذه المؤسسة. إن انفتاح الوعي العربي الإسلامي على التجربة الكنسيّة شديد الأهميّة على أكثر من مستوى، لاسيما ذاك الذي يفتح ويغذّي حوار الديانتين. في تعقيبه على خواطر الدكتور النيفر يعبّر الأب بورمانس عن موافقته التامّة لأراء الكاتب المتفائلة رغم كل العوائق الجديّّة للحوار ويثني على طرحه العلمي و المحايد المتجنّب للأحكام المسبقة أو الاتهامات السطحيّة. في ذات الوقت يطلق نداء للمسلمين داعيا إيّاهم للتحرر من فكرة التآمر أو التنصير الموجهة ضدّهم ومشجعا إيّاهم على الحوار والثقة المتبادلة. أما فيما يتعلّق بالقسم المخصص لشخصيّة المسيح فإنه يعبّر عن تعرّّضه لبعض الصعوبات التي حالت دون الفهم النهائي لما عبّر عنه الكاتب. لكن ذلك لا يعيق في شيء إعجابه بمجهود الدكتور النيفر اللافت للانتباه خاصة فيما يتعلّق بالأبعاد الكونيّة والإنسانيّة لرسالة السيّد المسيح. مع ذلك فهو يعيب عليه الاقتصار على الآيات القرآنية دون العودة إلى الأحاديث والسنّة عموما أو إلى الأناجيل الأربعة التي كان من شأنها أن تساعد على رسم صورة أكثر اكتمالا للهويّة النبويّة و الرساليّة للمسيح. ويختم تعليقه متسائلا: ألا ينبغي للمسلمين – في إطار الحوار البنّاء- أن يأخذوا بعين الاعتبار فصول الأناجيل المسيحيّة كي يكمّلوا معرفتهم بما جاء به المسيح؟