Partager Facebook Twitter LinkedIn Pinterest Courriel Imprimer/PDF آيات كثيرة في القرآن تُعنى بالآخر، منها الإيجابي ومنها السلبي، منها العام ومنها الخاص أو الظرفي. فكلٌّ اليوم يستشهد بآية لتبرير موقفه من الآخر، ولو كانت تلك المواقف متضاربة. لذا، من الضروري إعادة النظر بجميع الآيات حسب منهجيّة معيّنة، تحاول أن تكون موضوعيّة، لاستخلاص ما يقوله القرآن حقًّا عن الآخر وحلّ التناقض بين المواقف، دون تفضيل آيات على أخر أو نسخ استنسابي لعددٍ منها أو الوقوع بالازدواجية الخطابيّة. تستند هذه المنهجيّة على أربعة نقاط: نظرة شاملة وغير مجزّأة للقرآن مع أخذ الآيات في سياقها، إعادة النظر بالمصطلحات، تخليص ما هو ظرفي أو خاص مما هو عام أو مطلق، وقراءة كلّ ذلك بنظرة لاهوتيّة أو ما أسميّه « علم الإيمان »، لتمييزه عن علم الكلام وعن الفقه. 1. النظرة الشاملة للقرآن مع قراءة الآيات في موقعها عدد من الدعاة يأخذ بعض الآيات خارج مضمونها ويجمعها بآيات أخر فيصل إلى استنتاجات تعيق حتّى القبول بالآخر المختلف، ولو كان ينتمي إلى الإسلام نفسه. أعطيكم مثلاً من نص محاكمة شكري أحمد مصطفى، أمير جماعة المسلمين التكفير والهجرة، أمام أمن الدولة العسكريّة العليا في مصر عام 1977: « سؤال المحكمة: قال الله تعالى: قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (الجاثية 14-15)، ثمّ قال عزّ من قائل: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (البقرة 256) كما قال سبحانه وتعالى وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ( يونس 99), وآيات أخرى تدلّ على أنّ الكفر في ذاته يؤدّي إلى عقاب المولى سبحانه وتعالى في الآخرة، وأنّه بظاهرها لا يفهم أنّ المسلمين أمروا أن يقاتلوا الكفار الذين لم يقاتلوهم أو يفتنوهم في دينهم. فما فهمك وما اعتقادك بهذا الشأن؟ جواب شكري أحمد مصطفى: هذه الآيات فعلاً لو أخذت بمفردها لكان لها ذات الدلالة التي ذكرتموها، وهي ترك الناس –كلّ الناس – لا نقاتلهم حتّى يقاتلونا، ولكن لمّا كان مقرّر شرعاً وبداهة الجمع بين النصوص كلّها، وقد تلوت عليكم وذكرت لكم في الأوراق آيات ونصوصاً قد أوجبت قتال الناس –كلّ الناس – حتّى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويدينوا بدين الله (…) فقد وجب على كلّ مؤمن بالله أن يجمع الجمع المنطقي الصحيح بين دلالات هذه النصوص جميعاً، فإذا ما جمع، فلن يخرج إلا بنتيجة واحدة (…) ألا وهي أنّ المسلمين أمروا بقتال الناس على ظاهر الإسلام… » (راجع : رفعت سيّد أحمد: « النبي المسلّح (1): الرافضون »، رياض الريس للكتب والنشر، 1991، صص 85-86) فأمير جماعة التكفير والهجرة يأخذ الآيات خارج سياقها ويجمعها بأخر أخرجها أيضاً من مضمونها كي يصل إلى نتيجة قتال الكلّ. في الآن ذاته يتّهم متّهميه، الذين يدافعون عن النظرة السمحة للإسلام، بتجزأة النصّ، ممّا يضعف موقفهم. لذلك على كلّ من يحاول فهم معاني القرآن التأكّد من عدم الوقوع بهذين الخطأين على صعيد المنهج. 2. المصطلحات الخطأ المنهحي الآخر الذي يقع فيه كلّ من شكري أحمد مصطفى ومحاكميه يتعلّق بالمصطلح القرآني. فالإثنان يشملون في كلمة كفّار كلّ من هو غير مسلم. ولو نظرنا بتمعّن إلى النصّ القرآني نرى أن كلمة كفر تستعمل بمواقع وصيغ مختلفة لتدلّ على عدّة أشياء. فعندما تأتي الكلمة في صيغة « كفّار » تعني فقط المشركين العرب الذين كانوا يقاتلون ويحاولون القضاء على النبي والمسلمين الأوائل والذين نزلت فيهم معظم آيات القتال. وتأتي كلمة كفر في صيغ أخرى عندما يتكلّم القرآن عن طمس للحقائق من قبل أهل الكتاب ومن قبل المسلمين أنفسهم. فيقول مثلاً عن بعض المسلمين يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ (المائدة 41)، كما يتّهم اليهود بالكفر لقتلهم الأنبياء أو لعدم اتباعهم المسيح إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (آل عمران 55-57). وإذا كان القرآن ينعت بعض تصرّفات أو عقائد أهل الكتاب بالكفر إلاّ أنّه لا يسمّي بتاتاً أهل الكتاب بالكفّار أو بالمشركين، على عكس ما يفعله بعض خطبائنا وكتّابنا اليوم. بل إنّه إذا أعطى أهل الكتاب وصفاً آخراً يسمّيهم مسلمين (بدأً بإبراهيم مروراً بحواريّي المسيح (آل عمران 52)) أو صالحين ومتّقين: لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (آل عمران 113-115) فبإعادة النظر في المصطلحات (شرك، كفر، إيمان، إسلام، نفاق، جرم، ظلم، تقى، صلاح) وتتبّعها ضمن القرآن كلّه، تتضّح الرؤية بأنّ العلاقة العدائيّة لم تكن مع الآخر كآخر ولكنّها مع الآخر الذي كان يعدّ له الحرب. وبذلك يُفهم ويُحَلّ ما يظهر بأنه تناقضات بين انفتاح وعداء. 3. الظرفي والمطلق سبيل منهجيٌّ ثالثٌ للخروج من التناقض والازدواجيّة هو تخليص ما هو مطلق ممّا هو ظرفي. فعندما نقرأ كلّ الآيات على أنها عامّة أو مطلقة نقع في خطأ تجميد الهويّات مع أن القرآن، كما يؤمن جميع المسلمين، أنزل على فترة 23 عاماً، أعوامٌ تخلّلها الكثير من التغيير خاصّة على صعيد الهويّات التي كانت تتقلّب (المنافقين، ناقضي العهود، المعتنقين الجدد…). كما توقع هذه المقاربة في خطأ التعميم، رغم أنّ القرآن نادراً ما يعمّم الهويّات بل يستخدم عبارات مثل: فئة من، بعض الذين، طائفة من، كثير من…إلخ مثلاً: وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (البقرة 109) هذه آية ظرفيّة غير تعميميّة وتدعو للصفح والمسامحة لمن لا يودّ الخير للمسمين، ولا تدعو إلى القتال ما دام الآخر لا يتحضّر للقتال. ولكنّ هناك آية أخرى تدعو للقتال قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (التوبة 29) لقد عُمّمت هذه الآية عبر التاريخ بما كانت تفيد مصالح الحكّام مع أنها آية ظرفيّة، تتكلّم عن فئة من أهل الكتاب في زمن الرسول، في السنة التاسعة من الهجرة تحديداً، عندما وصل الخبر أن هرقل جمع القبائل العربيّة المسيحيّة من لخم وجُذام وغسّان وعامِلة بجيش كبير في منطقة البلقاء. فذهب المسلمون باتجاه الشمال لمواجهتهم ولم يكن هناك قتال بل أتى إلى الرسول يوحنّه حاكم أيلة وصالحهُ على الجزية التي كانت بمثابة معاهدة سلام. آية ثالثة تضع الرعب في قلوب المسلمين الذين لهم أصدقاء حميمين من أهل الكتاب هي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (المائدة 51)، ولكنّ هذه الآية أيضاً ظرفيّة، نزلت في وقت كان المسلمون مقاتَلون من كلّ ميل. والولاية هنا لا تعني الصداقة بل الإحتماء. فكان بعض المسلمين المنافقين يتعاهدون مع اليهود في المدينة، الذين كانوا في حرب مع المسلمين، ليكسبوا أنفسهم في حال خسر المسلمون. وتأتي الآية التالية لتفسّر ذلك: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (المائدة 52). فعندما نعي أن هذه الآيات ظرفيّة لا عامّة ولا مطلقة، نحلّ التناقض مع الآيات الأخر اللتي تمدح أهل الكتاب والتي تعد أصحاب الديانات الأخرى بالخلاص: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (المائدة 69)، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة 62) مع العلم بأنّ القرآن يذكّرنا بأن الخلاص أو الحساب ليس حسب الهويّة الدينيّة، بل أنّ كلٌّ مسؤولٌ عن أعماله، مهما كانت هويّته لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (النساء 123-124) 4. علم الإيمان: ما هو دور المسلم تأتي أخيراً النقطة الرابعة التي تساعدنا على فهم وربط المنهجيّات المتّبعة وهي النظرة اللاهوتيّة أو ما سميّته بعلم الإيمان. وهذا النهج يتطلّب التفكّر بما هو دور المسلم. فلا يمكن للمسلم أن يحدّد نظرته وتصرّفه مع الآخر قبل أن يحدّد نظرته إلى نفسه. فكما في الفقه هناك تفسير لما هو الهدف المنشود خلف الأحكام الشرعيّة (ما يسمّى بمقاصد الشريعة)، فكذلك على المسلمين سؤال القرآن ما هو دورهم وما هي خصائصهم. فإذا نظروا إلى القرآن، مع اتباع المنهجيات السالف ذكرها، رأى المسلمون بأنّ ما هو مطلوب منهم هو الإيمان الحق وليس فقط الإسلام الظاهري: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ (الحجرات 14) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (الأنفال 2-4) فالمسلم مطالب بالإيمان المتزايد والإخلاص في إيمانه الذي يتجلّى بإحساس مرهف واستعدادٍ دائم لإنفاق الذات في سبيل الله والآخرين. ويعيد ويذكر القرآن بمبدأ التعدّدية وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (البقرة 148) فالخيرات ما هي إلاّ إنفاق الذات والمال وكلّ ما يملكه الإنسان في سبيل الإصلاح، لا الإفساد في الأرض. ويتجلّى دور المسلم مليّا في عبارة تحمل أساس المغزى ألا وهي الشهادة. ليست الشهادة اللفظيّة ولا الشهادة بالمعنى الذي اعتدنا عليه على شاشات التلفزة، ولكن الشهادة بالمعنى القرآني، الشهادة الدائمة لله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ (النساء 135) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا (البقرة 143) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (المائدة 8) فيكون بذلك دور المسلم المؤمن حقّا لا قتال الناس -كلّ الناس!- لإعلاء كلمة الله، ولكن قتال نفسه وشهواته لكي يكون بالفعل شاهداً لله. فتكون حياته تذكِرة للآخرين على ما في كتبهم من هدىً ونور (راجع المائدة 44-47)، تماماً كما يكون الآخر الذي يعيش شهادته حقّاً تذكرة له بأن يكون من الشاهدين: وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (المائدة 82-83). نايلا طبّارة، أستاذة محاضرة في جامعة القديس يوسف